الأربعاء، أبريل ٠٩، ٢٠٠٨

يقولون مالا يفعلون

يـُشبه الشاعر العربي القديم بآلة تصوير تقع على مختلف أغراض الشعر فتصورها كالغزل و الوصف و المدح و الهجاء و الحماسة

و قد يسبب ذلك نوع من التناقض كقصائد العز و الكرامة للمتنبي و قصائده على باب كافور
و تقلب المعري بين الايمان و الشك و بين التفاؤل و التشاؤم

و يجب على كل شاعر أن يختبر شاعريته و يصف الخمر و الأطلال و الحكمة و الشجاعة و الفخر و إن كان بريء من بعضها براءة الذئب من دم يوسف

فالشعراء أصحاب رسالة فنية ليس إلا

و في قصيدة البردة لكعب بن زهير يقول

من اللواتي إذا ما خُلة صدقت
يشفي مضاجعها شم و تقبيلا

مع أن القصيدة كانت تهدف طلب العفو من الرسول صلى الله عليه و سلم و لم تكن قصيدة غزلية

تجد مثلاً شاعر النساء و الغزل
عمر بن إبي ربيعة و هو على فراش الموت يقول لأخيه لا تخف فما ارتكبت فاحشة في حياتي

و النعمان بن عدي أمير ميسان في عهد عمر يقول

فمن مبلغ الحسناء أن حليلها
بميسان يسقى في زجاج و حنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية
و صناجة تحدو كل ميسم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه
تنادمنا في الجوسق المتهدم

و هو لم يقلها إلا ليثير غيرة زوجته لتأتي معه بعد أن رفضت ذلك

و يتذكر جميل بثينه إحدى لياليه مع معشوقته و ما دار بينهما من أحاديث تارة و قُـبل تارة أخرى

ذكـرت مـقامي لـيلة البانِ قابضاً
عـلى كـف حوراء المدامع كالبدرِ
فـكدت ولـم أمـلك إلـيها صبابةً
أهيم وفاض الدمع مني على نحري
فـيا لـيت شـعري هل أبيتن ليلةً
كـليلتنا حـتى نـرى ساطع الفجرِ
تـجـود عـلينا بـالحديث وتـارةً
تـجود عـلينا بالرضاب من الثغرِ

ثم بعد ذلك ينكر و يبرؤ بثينة من كل ما قد يحدث فلم تكن إلا نظرات و أحاديث

لا والذي تسجد الجباه له
مالي بما دون ثوبها خبر
و لا بفيها و لا هممت بهما
كان إلا الحديث و النظر

و على ذلك قد لا يكون كثير مما يقوله الشعراء يدل بالضروره على سلوكهم الحقيقي في أرض الواقع
فيقول أحدهم

تباركت يداك في حضن يدي
و شعرك المرخي يغطي كتفي

و يقول الآخر على لسان معشوقته

أرجوك أن تبقى معي و تضمني
و أنا أطفي شمعتي أن تسعدا

و آخر

أقول لها تعالي لا تجيء
تصور صار يزعجها المجيء
لماذا صار يزعجها المجيء
لأني لهيبا أحرق لا أضيء
لأني و الكلام لها جريء
أمد يدي إلى حدي يسيء
لأن الحب يعجبها بريئاً
و أنا يتعبني الحب البريء

و كذلك
و الآن ستسألني أمي من بعثر شعري؟ ... أأسمي ؟
و إذا سميتك فانتقلت من كيف ؟ و أين ؟ إلى الكم ؟
أأخبرها كم أنت عنيف كيف تبالغ في ضمي

و القصيدتان الأخيرتان لنفس الشاعر
---
و لكن قد لا يمنع هذا بعض النقد الموجه للشعراء كما يقول الدكتور علي الوردي في مقدمة كتاب أسطورة الأدب الرفيع

(( كان الشعراء قديماً يتقدمون بين يدي السلطان فيلقون القصيدة العصماء و يصفونه بأنه أفضل الخلق طراً و خير من ركب المطايا و هم يأملون من وراء ذلك بالجائزة الدسمة

إلى أن يتساءل

لو فرضنا أن أبا نؤاس بعث حياً في عصرنا هذا ثم أصدر مجلة أدبية فماذا تراه صانعاً بها ؟ أرجح الظن أنه سيملؤها بصور الأرداف بدلاً من صور السيقانولا أحسب أن جريراً أو الفرزدق سيفعلان خيراً من أبي نؤاس في ذلك فمجلتهما ستمليء بالشتم البذيء و صور العورات المكشوفة ))

و هو ييستنكر هنا على بعض الأدباء ممن يحتقرون الصور الخليعة و يحترمون الشعر الخليع

هناك تعليقان (٢):

Barrak يقول...

وجهة نظر قد نتفق معها وقد نختلف

ولكنها رائعه

كما انت

human يقول...

barrak

شكراً لك على الإطراء و لقد سرني تواجدك